من نافذة المجتمع( 2)عـــــــــــــــــــــــــــــــــفواً

[b]عــــــفــــواً

في ليلة ماطرة تتسابق فيها قطرات المطر على وقع الأديم, و نسيم الروض قد حلى بأريجه في ربوع المنطقة , ولأن الهواء كان عليل , قررنا الذهاب لسهرة حول لهيب النار , وكأساً من الشاي نحتسيه بيننا , يجانبنا الحديث مرة في أعمالنا وتارة في مشارعنا الحرة وأخرى عن أحوال البلاد, ومن بين تلك الضحكات أعتلى على مسامعنا صوت أنين ليس من بيننا فنعرفه ولكن أقدامنا بدأت بالركض إلى مصدره , فإذا به شاب عليه سمة التعب والإعياء يصارع الألم بين جفنيه , وفي يمنينه خنجر يطعن بها يديه , نعم إنها إبرة المخدرات التي قد انكسر جزئها العلوي منها على يديه

نتيجة تخفيه بين دهاليز الليل وظلمات الإدمان , لم نتمالك حينها أنفسنا ان نساعده على إصلاح وضعه وترتيب نفسه من وحل المخدرات التي أغرقت جسمه في نزهة اللذة الحالمة وغياب الواقع المحسوس بين جنانه , حيث يصادف في ملكات خياله الواسع أنهاراً من الأوهام الزائفة يبحر فيها بمركب نفسه المغرمة بهوى الاستمتاع أو الهروب من صخرة المشكلات العارضة على طريقه , لم يفكر يومها بتجميع قواه المتخاصمة في قفزة الأمل نحو تلك الصخرة ,بل فضل الحوم والدوران على محيطها - لعله في ظنه- يبلغ محارب النشوة الواهمة ليتناسى ماذا جرى على مركبه وماذا فقد من ركابه وماذا يجب عليه من إصلاح لوضعه؟ , أظنه هرب مسرعاً -كما يهرب المفلس من السوق مسرعاً- لم يبصر بين زقازيق الحي عن طريق قويم رغم تعدد طرائقه , مسكين ذلك لقد ظن أن أبناء الحي يملكون عصا سحرية تغمرهم سعادة دائمة, مسكين ذلك سأكتبها رغم المسافات القائمة ,لم يدري أن عصيهم قد طحنتها رحى الأيام لتطعمهم غذاء الأمل و تودعهم بسمة الألم .

ولكن توارد على أفكارنا سؤالاً .. إلى متى ستظل مدمناً ؟؟ ألمْ يكفى أن دفعت فاتورة إدمانك من بدنك وصحتك وقوتك وأسرتك؟

أراه ثمناً باهضاَ تتكلف أنفاسك وأنفاس الآخرين لتسديده .

عفوا صديقي لمَ تعجل زنبقة عمرك بالخروج من وكر روحك ؟

هل ضايقتك شمس الازمات أم أحرقتك لهيب المشكلات أو لسعتك سياط الصداقة الباطلة .

أم أن ظلام الليل أرجف فكرك بالهموم وأردت أن تخلصها بالسموم ؟

عفوا صديقي لم أستطع زيارتك في المرة القادمة , لقد قضيت اليوم بما يكفي لنصحي لك ,, لكني بعد مغادرتي عنك أخبرني الممرض أنك مصاب بالالتهاب الكبدي "ج" وهو شبيه بالإيدز إذا يتنقل عن طريق نقل الدم والعلاقات المحرمة.

عفوا صديقي لقد كلفت بدراسة حالتك وهذا واجب إنساني قبل أن يكون مهني كما أراه , فلتسمح لي في المرة القادمة إن كان الأمر لابد من زيارتك ان ألبس "قفازاً", عملاً بنصائح الطب.

عفوا صديقي , كنت قد سألتك هل ترضى ان يكون أحد من أهلك مدمناً؟ أجبتني " لا, بضربه لو حد سوى مثلي" أعجبني ردك - عندما قلت لا أريده ان يكون كما تراني الأن-.

عفوا صديقي لا أطالبك أن تبحث عن أعلى قمة في هذا الكون لترمي منها نفسك وترتاح من وضعك الأليم .

فانت من تصنع القمة وأنت بسواعد ستصعدها , كل ما أرجوه أن تبحث عن أصغر شرارة في حياتك لتشعلها وتضيء بها دربك وتغدو بعد ظلام الإدمان إلى نور الايمان ومن ضيق الصدر إلى راحته ومن قوقعة العقل إلى نسمة الفكر .

عفواً لصناع القرار , كان من السهل أن تصطادوا المدمن ليرتاح بين قضبان سجونكم , ليصارع بين نفسه لهيب العار و حكم القانون , أو تبحثوا عن أخر وبحوزته رزمة من الكوكائين أو الأفيون أو الحشيش أو حبوب الامفيتامينات او غيرها وتعلنوا الخبر في الصحف المحلية , هل هذا يكفي ؟ .

عفوا لكم لقد كفرت بالتسامح المزعوم على مبادئنا الاسلامية والعربية , فكم من مرة يرفع فيها شعار المطالبة بمنع بيع الكحول ؟ وكان الجواب .. عفوا البلد فيها جنسيات وديانات مختلفة ولا يمكن لنا منعه .

أعزائي لمن هم في سلم القرار , حينما أطلت البحوث العلمية على ساحة المدمنين" وجدت أن التدخين هي البوابة الأولى التي تستضف المخدرات منها زبونها" فما جدوى منع المخدرات دون منع بيع التدخين ومنتجاته ؟!!!

عفوا اعزائي متى سينطق القرار على منصة التحقيق لإصلاح ما تبقى ؟

أم أننا سنذكر بيت إبراهيم طوقان:

في يدينا بقية من بلاد ..... فاستريحوا كي لا تضيع البقية

عفواً أرى نسمات التفكير تتقدم بي لمجالات كثيرة وعبرة العين قد أذنت بالنزول , لقد تقطعت حروفي فيما بينها فليأتي من بعدي أحد يكمل مسيرتها .

» حلقات من نافذة المجتمع .... الحلقة (1) مــــــــــــــــدت يــــــــــــــــــــدها